كتب: أحمد عبدالسلام
"وكما هو الحال على الدوام فإن التطلع إلى التغيير هو ما سيقودنا إلى الضياع، هذا التطلع إلى التغيير هو السم الذي يسمم به الشيطان العصر وهو الذي يقود إلى الهرطقة الدينية وتمرد الرعية" ملك إسبانيا
رؤى لوكريثيا لــ "خوسيه ماريا ميرينو" هي رواية إسبانية الأصل حازت على جائزة ميغيل ديليبس عام 1996
ترجمها وأخرجها إلى النور الراحل صالح علماني، فهي تعد من الكنوز التي لولا ترجمة أستاذنا لما عرفناها أو سمعنا عنها
تحدثنا الرواية عن إسبانيا في أواخر القرن السادس عشر، وبتفاصيلها تأخذنا في رحلة عميقة بين الشوارع الفقيرة والقصور فاحشة الثراء إلى جانب غرف اعترافات الكنيسة، كما تأخذنا في جولة بين أروقة السجون وحجرات التعذيب المتوحشة، كيف أنه بسبب جهل أهل العدالة في هذه الفترة تولد طفلة (ابنة البطلة) وتعيش أولى سنوات عمرها داخل السجن لمجرد ان جرى الشك بممارسة والدتها للسحر وتم اعتبارها ككافرة..
ولقد كان لمحاكم التفتيش سيطرة دينية قوية على الكنيسة والحياة السياسية عموما، باختصار تعتبر الرواية مرجعا متميزا للحياة في إسبانيا في هذه الفترة..
تدور الأحداث حول "لوكريثيا" البسيطة الجاهلة الفقيرة التي ترى أحلاما ورؤى غريبة بعضها يبدأ بالتحقق، ومع مرور الوقت ذاع صيتها في إسبانيا مما دعى بعض علماء اللاهوت لتسجيل هذه الرؤى ومحاولة تفسيرها، وعندما علم الملك بذلك أمر محكمة التفتيش بالقبض عليها ليتخلى عنها الجميع وأولهم الرجل الذي أحبته..
نالت أشد عقوبة بالسجن لسنوات حتى أن طفلتها قضت أولى أعوام عمرها بالسجن ولا تعرف كيف يكون العالم الخارجي طيلة هذه المدة..
وعندما خرجت من السجن كانت تعيش على طعام الصدقات بالشارع إلى أن انتهت الرواية بحوار بديع يصف كمّ براعة الكاتب
عندما سألت الطفلة والدتها "أين سنذهب يا امي؟"
ولم ترد الأم في البداية بسبب قسوة ما عانته ثم أجابت "سوف نرى يا ابنتي"
أود أن أضيف أنه في هذا الزمن تفاقم ما نراه في العالم من جرائم ودمار وتشريد باسم الدين، ولهذا لن ينهش قارئ هذا الجيل وهو يقرأ هذه الرواية، بل إن ما يعيشه الآن أكثر ضلالا من تلك العصور، فعلى الأقل سابقا كان يوجد جهل وغموض يكتنف كل جوانب الحياة، أما الآن فأصبح العلم واضحا ولكن السيناريو لازال يتكرر بشكل أصعب، فنحن الآن نعيش فترة أصعب من الظلام نفسه..
وعلى الرغم من جمال الرواية وبراعة الفكرة وكيفية إثرائها لذهن القارئ وقيمتها العالية في المكتبة الأدبية، إلا أن لها بعض السلبيات حيث أنها لم تكن مكتوبة بطريقة تحثّ القارئ على الاستمرار وهذا ليس بعيب في المترجم بل يعود على الكاتب وحده..
كما أن هناك مشكلة باستخدام المصطلحات والكلمات الثقيلة التي لا يسع القارئ العادي الإلمام بها..
وفي الختام أقول بأنها كانت تجربة جميلة ممتعة على الرغم من صعوبتها، وجزيل الشكر لأساتذتي الكاتب، والمترجم..
تعليقات
إرسال تعليق
إترك تعليقا لنا لدعمنا لكي نكمل مشوارنا