القائمة الرئيسية

الصفحات

رئيس مجلس الإدارة: السيد حامد الطنطاوي

قلوب تنزف وعيون ساهرة في "لا أحد ينام في الإسكندرية"

 


كتب: أحمد عبدالسلام


رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية" هي الجزء الأول من ثلاثية الإسكندرية رائعة الأديب المتألق الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد، تم طرحها للمرة الأولى عام 1996م مع منشورات الجمل، ثم تلقتها دار الشروق عام 2004م وهي المسؤولة عن نشرها حتى الآن..

وهي الرواية رقم 13 من أفضل 100 رواية عربية في اتحاد الكتّاب العرب .


عندما كنتُ في الثانية عشر من عمري، وعندما كنتُ في حصة القراءة الحرة بالمكتبة، وعلى الرغم من كُرهي لتلك الحصة المملة إلا أنه ولحسن الحظ وقعت هذه الرواية في يدي واستعرتُ الكتاب، وقرأتُها بنهم حتى أحببتُ القراءة بسببها .


فيها تدور الحكاية حول الإسكندرية في فترة الحرب العالمية الثانية وعن أهلها والحالة الاقتصادية والاجتماعية والروح الكوزموبوليتانية بين أهالي الإسكندرية جميعا، وقد ظهر ذلك جليا في علاقة الأبطال بعضهم ببعض، فنجد في البيت الواحد المسلم والمسيحي واليهودي والقبرصي والطلياني، لحظات الأكل معا وأعياد المسلمين عندما تلتقي مع المسيحيين ويصوم المسيحيون مع المسلمين في رمضان ويقدمون لهم الإفطار، كذلك المسلمون الذين يرفضون أكل كل ذي روح في أوقات صوم عيد الميلاد والصوم الكبير .


ومن الأشياء التي برع فيها الكاتب وصف الأماكن والرسم الدقيق لشخصياته والمعلومات الدقيقة التي ذكرها عن أحداث الحرب العالمية الثانية في العالم كله، فتجد نفسك انتقلت بسلاسة من شارع 8 في كرموز، إلى وكر الذئب حيث يكون هتلر وقادة الحرب النازي، إلى أقاصي الصحراء الغربية حيث رومل وجيشه، إلى حانوت حلاقة صغير مهمل في حي من أحياء القاهرة يفوز صاحبه باليانصيب التي تطرحها الدولة، إلى الأبطال مجددا في الإسكندرية .



الغارات التي تسببت بنفض النوم عن عيون الإسكندرية وأشهرهم غارة الست ساعات التي استمرت من الخامسة حتى الحادية عشر مساء، وكيف كان السكان يختبؤون معا في الخنادق، المسلم يقرأ القرآن، والمسيحي يرد ترانيم الكتاب المقدس 

ولقد كان الكاتب صادقا فنيّا في كل تفصيلة بالرواية من وصف الحرارة والبرودة والفرح والحزن وأجواء السوق والزحام، ووصف الأسعار الدقيقة للخضا والفاكهة والعطور وغيرها، والأطفال في عمر السادسة الذين يتحدثون أكثر من لغة بسبب الجاليات من حولهم، هذا إلى جانب رحلة بحث الكاتب وزيارته لكل الأماكن المذكورة في الرواية حتى يتم الصدق الفنّي..

كل ذلك دون أن يشعر القارئ بأي نوع من الملل أو الازعاج بل ويجد نفسه منتظرا فقرة الأخبار التي يكتبها أستاذنا الكبيرة ويقرأها كأنه يقرأ خبرا بجريدة الأهرام .


وفي نفس الوقت يجد القارئ نفسه متعلقا تعلقا شديدا بالأبطال واولهم الشيخ مجد الدين وصديقه دميان ومغامراتهما اليومية في البحث عن عمل حتى يتوظفان في هيئة السكة الحديد، وعلاقة الشيخ مجد الدين بصاحب المنزل "الخواجة ديمتري" وعلاقة الأسرتين ببعضهما في الأعياد والمناسبات..

ولقد كانت النهاية منطقية لا تخلو من الخيال ولكنه خيال مرضٍ لأي قارئ، وقد نجح الكاتب في الموازنة بين نهاية الحرب والنهاية المنطقية لأحداث الرواية، ففي 470 صفحة تجد ما يرضي شغفك بالتاريخ، الدراما الاجتماعية، الكوميديا السوداء، الرومانسية، الفلسفة الوجودية حتى إذا كنت قارئ لمجرد التسلية ستجد ما يجذبك فيها ولذلك أرشحها وبشدة لجميع فئات القرّاء .


أنا لستُ من النوع الذي يعيد قراءة الرواية أكثر من مرة، لكني فعلتُ ذلك مع هذه الرواية وفي كل مرة أكتشف شيئا جديدا لم أكشفه من قبل

أدعو الله أن يجازي أستاذنا ومعلمنا إبراهيم عبدالمجيد خيرا على هذه الرواية المتميزة التي اثرتني وغيرت من نظرتي الي الادب .

تعليقات